تحدث الإستاذ جواد بولس إلى الزميل الأستاذ جورج عارج سعاده، في معرض الأحاديث الصحفية لجريدة “ليبانيز اميركان جورنال” بما يلي:

س- ما رأيكم بنتائج الثورة؟

ج- إذا شئت نعت الأحداث الأخيرة في لبنان ب”ثورة” كونها لم تكن بثورة في معانيها الحقيقية إلى أنها كانت بمثابة الحكم لصورة العقلية اللبنانية السائدة، فجاءت بنتائج لم يحسب لها أي حساب، وستظهر هذه النتائج في جميع الحقول وخاصة الإجتماعية والسياسية منها، في المستقبل غير البعيد، فسألته: وكيف، فقال:

لقد عجلت باستقدام جيل كان موعدنا معه بعد عشر سنوات فاختصرنا له هذا الوقت لثلاث أو أربع سنوات؟

وإن الإنتخابات المقبلة التي ستأتين بكثير من المفاجآت، كفيلة وحدها بإثبات صحة قولنا بأن تطل علينا الوجوه التي لم يحلم بها أحد.

ونتيجة هذه الأحداث كانت بمثابة الضربة القضية لاقتصاديات لبنان نرجو أن تكون مؤقتة، إلا أنها، من الناحية الثانية نفعت ما هو معروف بالقومية اللبنانية وبل اسهمت في بعثها.

كل رئيس غير شهاب كاد يستهدف لصعاب في الحكم

س- معروف عن معاليكم انكم بالفترة العصيبة كنتم المرشح الأول لرئاسة الجمهورية؟ فما هي التطورات التي بدلت الوضع ومسبباته؟

ج- الرأي العام اللبناني هو الذي رشحني للرئاسة، وأنا شخصياً لم أقوم بأي نشاط في هذا المضمار، أما اجماع الأوسط اللبنانية على ترشيحي أفسره بانبعاث فكرة القومية اللبنانية واتجاه جميع الأوساط إلى رجل لبناني حيادي.

أما التطورات التي حصلت فمردها للظروف الرهينة إفئذ، التي فرضت هكذا تحول في حل آخر كما شهدنا. والبلاد كانت تتطلب الحال وبالشكل الذي تم.

وان مجرد أي رجل غير عسكري، كفخامة الجنرال شهاب، كان يتبوأ هذا المنصب لا محال في أنه كان سيلقى الصعاب أمامه!!

مركز لبنان الجغرافي موضع إهتمام الأجانب وتدخلهم

س- ما دور الأجانب خلال الأزمة السياسية التي عصفت في لبنان؟

ج- نظراً لمركز لبنان الجغرافي والمعنوي، ونظراً للدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه على مسرح السياسات والإنتفاضات الدولية التي جعلت من الشرق الأوسط مسرحاً لها، تجعل من مصلحة كل دولة أجنبية أن تراقب وغالباً أن تسهم في مد نفوذها المبطن وغير المباشر لكي تكسب الصداقات على من يهيمن على مقدرات الحكم، لا لفكرة استعمارية التي غالباً ما يصبر استغلالها والإتجار بها.

فالأجانب لن يستعمروا أي قطر من أقطار الشرق العربي، واذا ما شهدنا بعض الحركات التي سبق وأشرت إليها فإن مثيلاتها تحصل حتى في الدول المعروفة الكبرى كفرنسا وإيطاليا والمانيا… فنقمة إستعمار، علينا أن نزيلها من الأفكار مرة واحدة؟ ويبقى ان نتفهم تماماً أن كل أجنبي وغير لبناني ليغتنم كل فرصة ومناسبة محاولاً وضع اصبعه في كل شاردة وواردة، وما علينا إلى التنبيه لمثل هذه الأصابع والحؤول دون تطاولها في شؤوننا؟

التاريخ يؤكد إستمرار الخلاف بين وادي النيل والفرات لابتلاع سوريا

س- الخلافات العربية؟

ج- بقطع النظر عن الأسباب المباشرة لهذا الخلاف، فإن الأسباب الحقيقية هي تاريخية وجغرافية، ولو تصفحنا بإمعان تاريخ هذه البلاد منذ أقدم العصور لاتضح لنا أن النزاع بين وادي النيل ووادي الفرات ليس بجديد، وقد أشرت إلى ذلك الخلاف الجوهري في عديد من محاضرات ألقيتها في أكثر من مناسبة وكان آخرها في العام الماضي. وهذا النزاع كامن بين البلدين العربيين على السيطرة على بلدان الشرق، فهذا النزاع توارثه الأحفاد اليوم عن جدود الأمس.

وفي كل مرة يكون فيها هذا الشرق مستقلاً عن الدول الأجنبية الكبرى كان يحصل هكذا نزاع والمسرح الدائم لها كانت أرض سوريا بغية الإستيلاء عليها.

أما ما نشهده من صراع اليوم بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق فإنه حتماً يهدد الاستقلالات في الدول العربية خصوصاً هذه الدول التي هي في طور قطف ثمار ونعم هذه الاستقلالات.

وإننا نناشد الدول العربية المتنازعة أن تعود لرشدها في تفاهم أقوى وامتن وتضامن وتعاون صادقين وفق ما رسموه لهم عندما وقفوا ميثاق الجامعة العربية الذي هو أضمن وأقوى ميثاق لحفظ استقلالات دولها والدعم المعنوية للعرب تجاه العالم الخارجي وقد لمسنا ذلك مراراً وخاصة في هيئة الأمم المتحدة عندما كانت كلمة العرب متفقة وموحدة كانوا دائماً يعاون إلى مبتغاهم.

تعاون صادق مع مصر يحفظ إستقلال البلدين

س- ما لمستم من خلال زيارتكم الأخيرة لمصر

ج- إن رحلي لمصر كانت لأشغال خاصة وشخصية في الإسكندرية ثم عرجت إلى الأقصر للراحة والإستجمام ومكثت حوالي الشهر في القاهرة حيث جرت بيني وبين البعض من ساسة القطر الشقيق إتصالات لمست من خلالها كل حسن نية نحو لبنان والتعاون المثمر الصادق واحترام استقلاله وكيانه والتفاهم على جميع ما بالإمكان الوصول إليه.

لا خوف على إستقلال لبنان

س- إستقلال لبنان؟

ج- لا خطر على هذا الإستقلال لأن جميع أنبائه على إختلاف طوائفهم ونزعاتهم متمسكون بهذا الإستقلال، وقد اثبتت ذلك حوادث الثورة الأخيرة.

س- إجتماع شهاب – وعبد الناصر

ج- لقد تفاءلت من مثل هذا الإجتماع وهذا يؤيد ما لمسته في رحلتي إلى مصر من ميل الأوساط الرسمية هناك في التفاهم والتعاون مع لبنان.

لو كان لبنان طائفة واحدة لما كان يتمتع بحيويته

س- حل المجلس؟

ج- لا أرى أي مبرر لحل المجلس الحالي في هذا الظرف العصيب.

س- وجمع السلاح؟

ج- عملياً غير ممكن اليوم ولكن المهم منع حمل السلاح، فمتى تمكنا من تحقيق هذا الشطر عندئذ لا تعود هذه البضاعة تهم الناس، والمطلوب إيجاد أمن واستقرار لنفوس باتت متعطشة عليها.

س- والطائفة؟

ج- ما هي مرض في لبنان، ولكن استغلالها وسؤ تطبيقها يزعجان، ولو كان في لبنان طائفة وحيدة فإني على يقين من أن لبنان لم يكن يتمتع بهذه الحيوية والتنافس في انهاضه وتقدمه.

ولبنان هو إتحاد طوائف ويمكن تسميته عملياً “جمهورية الطوائف المتحدة في لبنان. والإتحاد هنا نهائياً لا إقليميا.

المستقبل السياسي هو للجيل الجديد

س- كيف تفسرون نشاط الرؤساء السابقين؟

ج- أحيلك على ما جاء في سياق هذا الحديث من أن المستقبل في لبنان (مع احترامي لكل رجل سياسي في لبنان) هو للناشئة الجديدة وللمدرسة السياسية التي بات من المفروض أن تفتح ابوابها على مصاريعها في هذا الوطن.

س- حكومة المستقبل؟

ج- أفضل تأليف حكومة ائتلافية في المستقبل تتمثل فيها جميع الاتجهات لأنها هذه هي رغبة وتمنيات جميع اللبنانيين دون إستثناء.

علم المصالحة، فالخلاف انحصر على المزاحمة والتناحر والتنافس؟

س- ماذا ترون في المصالحة؟

ج- لا يوجد الآن أي خلاف جوهري في لبنان، بين شعبه، سوى المزاحمة والتناحر والتنافس، على مراكز ومناصب وهذا شيء مألوف وطبيعي جداً في بلدان الناس. واذا ما حدث بين الحين والآخر ما يعكر صفو الأمن، فمرده لنتيجة حتمية لقيام بلد من (توره) استمرت عدة أشهر لايس بالإمكان محو نتائجها بأيام.

وقف كل مساعدة غير مشروعة للصحافة

س- وضع الصحافة في لبنان؟

ج- يجب أن تبقى الصحافة متمتعة بحريتها التامة الناجزة، شرط أن توضع الحدود لمنع تسرب الأموال والمساعدات الخارجية لتبقى الصحافة المرآة الحقيقية الأمينة لرسالتها.

موسوعة تاريخية خالدة

س- هل تتفضل بإعطاء فكرة عن الموسوعة التاريخية

ج- لقد امضيت في كتابتها سنوات عديدة، وهي الآن قيد الطبع في باريس باللغة الفرنسية، تحت عنوان “التاريخ المقارن لشعوب ومدنيات الشرق الأدنى”. وهي تقع في حوالي ٢٠٠٠ صحفة وفي ٣ مجلدات ضخمة، سيصير من ثم ترجمتها للعربية والإنكليزية والألمانية والإسبانية. وترعاها جامعة (السوربون)

ورداً على سؤال عن السبب في كتابتها بالفرنسية فقال:

لأن تاريخ الشرق الأدنى التي وضعته يبتديء منذ فجر التاريخ فسائر العهود السابقة للعهد العربي وهي تمتد على حوالي أربعة آلاف سنة مصادرها كلها باللغات الأجنبية.

وقد كتب مقدمة هذه الموسوعة الفيلسوف المعروف أرنولد توينبي المؤرخ العالمي الشهير وهي المقدمة الواحدة الاكت وضعها لكتاب، وقد أعجب توينبي بهذه الموسوعة فكتب فيها الحقيقة وامتدحها مدحاً عظيماً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *