هذا رأيهم..!
هذا الباب هو ملك لصاحب الحديث الذي يملاه به وللقارئ الذي يطالعه.. وهو باب مفتوح لمن يرغب في التعبير عن رأيه من كل عمل في الحقل العام، دون أن يكون لنا في ذلك الرأي رأي. ولك أنت أيها القارئ، أن ترى فيه ما تشاء…
جواد بولس يستعرض الأوضاع بالشرق الأوسط
عاد الأستاذ جواد بولس، من زيارته للقاهرة بعد أن مكث فيها حوالي الشهر، كان خلالها موضع حفاوة وتكريم المراجع الرسمية في الإقليم الجنوبي، لما يتمتع به الأستاذ بولس من مكانة رفيعة في الأوساط السياسية والإجتماعية في لبنان.. ولقد اجتمع أثناء زيارته بالمشير عامر والقائمقام أنور السادات والسيد عبد اللطيف البغدادي.. وأبدى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر رغبة في الإجتماع إلى الأستاذ جواد بولس، إلا أن تطورات العراق واضطرار الرئيس عبد الناصر إلى إطالة زيارته للإقليم الشمالي حالا دون عقد الإجتماع.. والأستاذ بولس من المصادر المطلعة على مجرى الأحداث ومن المحللين العميقين لها…
سألته:
- ما الذي إسترعى انتباهك أثناء زيارتك للقاهرة؟
فأجاب:
- أمور عديدة استأثرت باهتمامي أثناء زيارتي هذه وأهمها رخص كلفة المعيشة وانصراف الشعب عن الإهتمام بالشؤون السياسية إلى العناية بعمله.. ورأيت في القاهرة نهضة عمرانية جبارة تدعو إلى التفاؤل بمستقبل هذا البلد..
قلت:
- ما تعليقكم على القرار الذي اتخذته اللجنة السياسية في بيروت؟
قال دون كبير إهتمام:
- إنه قرار هزيل لم تتخذه الجامعة العربية إلى أنها لم تشأ أن تنهي اجتماعاتها دون التوصل الى قرار.. وعلى كل حال فإن مضمون هذا القرار لن ينفذ وسيظل حبراً على ورق..
قلت:
- ما رأيكم في موقف لبنان من اجتماعات اللجنة السياسية؟
قال:
- إن لبنان لم يتخذ موقف المحايد، ولقد كان واضحاً أنه إتخذ موقفاً لصالح الجمهورية العربية المتحدة.. ومهما يكن من أمر، فإن الموقف الذي اتخذناه لم يكن لنا يد من إتخاذه لاعتبرات عديدة..
وسكت الأستاذ بولس لحظة ثم تبع يقول:
- إن أمام لبنان اليوم فرصة كبيرة سائحة، إذا هو عرف كيف يستفيد منها وكيف يستغلها تمكن من أن يلعب لا دور وسيط فحسب بل دور الحكم أيضاً..
انني لو كنت رئيساً لجمهورية لبنان لزرت بنفسي القاهرة وبغداد، ووقفت على حقيقة الخلاف بين العاصمتين من شفاه الرئيسين المتخاصمين.. نفسيهما. ومن ثم، عمدت إلى العمل بكل ما لدي من وسائل وإمكانات لإزالة هذا الخلاف، فأكون بذلك حققت نصراً باهراً للبنان من شأنه أن ننفض عنه غبار الركود الذي اجتاحه فترة طويلة من الزمن..
قلت:
- هل تعتقد أن لبنان إستعاد مكانته، كوسيط، بعد هذا الركود الذي تتحدث عنه؟
قال وهو ينفث دخان سيكارته:
- كلا… إن لبنان لام يستعد تلك المكانة ولكن وضعه أخذ في التحسن بخطى سريعة..
وسألت الأستاذ بولس:
- ألا تعتقد أن الصراع بين القاهرة وبغداد هو صراع بين القومية العربية في شخص الرئيس عبد الناصر، وبين الشيوعية في شخص اللواء قاسم؟
وأجاب:
- إن حكومة العراق وجيشه وجهازه الإداري، لا يمكن نعتهم بالشيوعية وإن كان الحزب الشيوعي قد تمكن حتى الآن من بسط شيء من نفوذه على بعد المراكز الثانوية.. وأنا لا أنكر أن للحزب الشيوعي تأثيراً كبيراً على الأوساط الشعبية ولكن الوضع العام في العراق لا يسمح بالقول إن العراق أصبح “جمهورية ديمقراطية شعبية” تدور في فلك موسكو. فالحقيقة إن اللواء قاسم الذي لا يوجد له حزب خاص يسانده، لام يجد بدأ أمام ضغط القوميين العرب والبعثيين لضم العراق إلى المتحدة، من الإستعانة بالحزب الشيوعي المنظم في بلاد الرافدين.. فلقد وجد في ذلك الحزب خير معين له في محبته يوم ثار عليه عبد الوهاب الشواف في الموصل، وبفضله تمكن اللواء قاسم من إخماد تلك الثورة التي ما من شك في أنها زادت من قوة الحزب الشيوعي في العراق. وفي نظري ان كل محاولة لإجراء انقلاب في العراق ستزيد الحزب الشبوعي قوة على قوة، لأنه سيتمثل في نظر قاسم، الركيزة الأساسية التي يمكنه أن يسند حكمه إليها..
قلت:
- هل توافق على قول القائلين بأن هناك تحالفاً بين روسيا وبريطانيا في العراق؟
قال وهو يضحك:
- إنه من الخطأ الفادح الإعتقاد بأن روسيا وبريطانيا قد تحالفتا سياسياً في العراق.. إن بريطانيا تؤازر عبد الكريم قاسم حرصاً منها على مصالحها البترولية، في حين تؤازره روسيا لأنه عزز الحزب الشيوعي في العراق ولم يحاربه أو يضطهده كما يفعل الرئيس عبد الناصر.. وهكذا نرى أن المصلحة قد جعلت بريطانيا وروسيا، سياسياً، على صعيد واحد في العراق، ولكن هذا لا يعني ولم يمكن أن يعني أن سياسة من هذا النوع يمكن أن تعتبر تحالفاً ثم هل يعقل أن تتحالف بريطانيا، حليفة أميركا، أكبر عدو للشيوعية، مع روسيا، أكبر عدو لأميركا، حليفة بريطانيا؟
ثم اننا يجب الله نعتقد بأن أميركا غافلة ساهية عن الوضع في العراق.. انها ترقبه عن كثب، وهي حتى الآن مطمئنة إلى عدم سيطرة الشويعية عليه، دليلنا على ذلك، تصريح وزير الدفاع الأميركي منذ أسبوع على أن العراق سيصبح جمهورية حمراء، فإنها لن تتردد لحظة وحدة من انقاذه من براثن الشيوعية..
وكان السؤال الأخير:
- ما هي مكانة إسرائيل بالنسبة لروسيا في نظرك؟
وأجاب الأستاذ بولس:
– إن الأغلبية الساحقة في شعوب الشرق الأوسط، تعتقد أن روسيا مستعدة لمساعدة العرب في القضاء على إسرائيل.. والحقيقة أنه إذا كانت أمريكا هي التي أوجدت إسرائيل فإن سوريا قد أخذت على عاتقها مهمة المحافظة أعاليها.. فيجب الى ننسى أن في الكنيست “برلمان اسرائيل” ممثلين عن الحزب الشيوعي في إسرائيل وهو الحزب الأحمر الأكثر تنظيماً بين الأحزاب الشيوعية في بلدان الشرق الأوسط، وعلى روسيا المحافظة على هذا الحزب.. ثم يجب ألا ننسى أيضاً أن روسيا هي العدو الألد لفكرة الوحدة العربية الشاملة، لأن في روسيا أربعين مليون مسلم سيسعون للإنضمام إلى الوحدة العربية الشاملة إذا هي تحققت، فهل تقوى روسيا على تحمل مثل هذا الضغط؟ لذلك فإن اسرائيل ضرورية بالنسبة لروسيا حتى تظل عائقاً في وجه هذه الوحدة.
سعدالله الغطيمي