جواد بولس
علينا إعتماد تعددية المجتمكع بتراثاته وحضاراته الأصيلة أساساً للبنان الجديد
مقابلة اجرتها لوريس حداد
* قد لا يصدق الناس أن هذا الرجل الطويل القامة والمقدود من عنفوان زغرتا والذي أحب المحاماة وتخرج من جامعة القديس يوسف في معهد الحقوق عام 1922 سوف يصبح بعد ثلاثة وعشرين عاماً من خدمة العدالة وتأبط ثلاث حقائب وزارية في وزارة أيوب تابت الثلاثية أحد مؤرخي العصر الذين تدرس مؤلفاتهم في جامعات العالم باللغة الفرنسية.
وفي غرفة هادئة تطل على البحر في دير يسوع الملك جلس جواد بولس يقرأ ويدرس ويكتب وينقب في ورشة التاريخ التي افتتحها منذ عام 1945 عندما ترك السياسة والمحاماة وتفرغ لدراسة تاريخ الشرق الأدنى.
قال جواد بولس في تعرفة للمذهب التاريخي الذي ينتمي إليه:
– انتمي للتاريخ العلمي وليس الفلسفي، فكل دراسة اساسها العلم وللتاريخ ثلاث مراحل يمر فيها: مرحلة سرد الوقائع، ومرحلة فلسفة التاريخ، ومرحلة علم التاريخ.
المرحلة الأولى لم يزل يعمل بها وهي سرد الوقائع. والمرحلة الثانية زالت تقريباً لأن موضوعها هو إثبات فكرة فلسفية بطريق الأمثلة المأخوذة من التاريخ ولما كان التاريخ يعطي أمثلة لجميع المواضيع، إذن، فلسفة التاريخ غير ثابتة وغير معول عليها. أما المرحلة الثالثة أي علم التاريخ أو التاريخ العلمي هي اليوم كل شيء والمعول عليها، لأن كل دراسة يجب أن تستند على أصول علمية، والتاريخ علم إختياري، كما أن الطب، والبيولوجيا، والفلسفة، والبسيكولوجيا، والانتربولوجيا، هي أمور علمية بحتة. والطريقة العملية هي التفتيش عن أسباب الأحداث ونتائجها وخواتمها لذلك إن قضية درس التاريخ درساً عملياً محتماً. وعلى المؤرخ أن يبدأ درس هذا التاريخ منذ الأصول الأولى حتى اليوم. لأن التاريخ كما حدده الأرباب الكبار هو إستمرار الزمن ولا يمكن معرفة حقيقته إلى إذا بدأنا بدرسه منذ الأصول الأولى فمثلاً إذا أخذنا بتاريخ بلد منذ جيل أو جيلين كنا كمن يكتب ترجمة شخص ما ابتدأ من عمره الأربعين.
- إذا لا نستطيع القول بأن لبنان عربي لأن العروبة مكتسبة منذ دخول النبي العربي؟
– أجل، لبنان بلد ضمن العالم العربي، انما هذا لا يجعله عربياً. ولا نستطيع تحديد كلمة عروبة بالمعنى الصحيح. هل هي جغرافية؟ هي ليست جغرافيا. والأصح أن نقول بأن لبنان شرقي. أما إذا كان أهله يتكلمون اللغة العربية فهزلة يعني بأنه عربي لأن اللغة لا تصنع القومية. فلبنان لبناني وهو ضمن هذا الشرق المسمى الشرق العربي وهو جزء منه جغرافياً وتاريخياً وثقافياً ولكن له وجه آخر كما وإن لكل بلد عربي وجهين. وجهاً عربياً ووجهاً جغرافياً.
- قلت مرة جرفتني السياسة إلى التاريخ، ولم أكن أعتقد بأني سأصبح يوماً مؤرخاً، فهل يمكن أن تعطينا لمحة عن هذا الإنتقال ومسبباته؟
– عام ١٩٤٣ كنت وزير دولة لحكومة ثلاثية برئاسة الدكتور أيوب تابت وأردت البقاء على مبادئ كنت أعتقد بها وذلك لمصلحة البلاد ولكني اصطدمت بآراء مغايرة لرأيي لذا تركت السياسة ولأنني كنت أحب أن أفهم المشاكل الكبرى في لبنان، والبلدان العربية فهما علمياً كان لا بد لي من دراسة تاريخ المنطقة وجغرافيتها وعندما توغلت في دراستي وجدت الموضوع نقصاً بالنسبة لمنطقة الشرق الأدنى التي تشكل منذ بداية التاريخ حتى اليوم وحدة تاريخية لا يمكن أن تفهم بعض اجزائها إلا ضمن تطور مجموع المنطقة ولذلك اتجهت نحو التاريخ منذ عام ١٩٤٥ وقد صدر أول جزء من تاريخ شعوب الشرق الأدنى وحضاراته عام ١٩٦١ والجزء الجزء الخامس والأخير عام ١٩٦٨ وهو المؤلف الذي تعتمده الجامعات كمرجع لدراسة شعوب هذه المنطقة.
- للقومية التاريخية عدة زوايا فكيف تحددها أنت هل هي في العرق، في الجغرافيا، أم في التاريخ؟
– كلمة قومية لم تحدد بعد مثل كلمة العروبة لا تحديد. فهناك كلمات تستعمل لغير معانيها أو بمعاني مختلفة. أما ما يسمونه القومية أو الأمة هي مجتمع بشري ارتضى افراده أن يعيشوا معاً في ظل دولة وحدة وعلى أرض معروفة بصرف النظر عن مسألة العنصر واللغة والدين وبقطع النظر عن العرق والجغرافيا أو التاريخ.
- يقال بأن الشعوب تتشابه في عدة نواح، فأي الشعوب متشابهة فيما بينها أكثر من الشعوب الأخرى؟
– الشعوب الأكثر تشابهاً هي الشعوب التي تكونها وتكون أطباعها عناصر المحيط الجغرافي التي تعيش فيه، والسبب هو، أن لا فرق للبناني فمثلاً من حيث انتمائه إلى عنصر لبناني أو من الخارج من حيث التشابه المهم أن يكون وجوده قد انصهر وعاش في لبنان مدة تزيد عن المئة عام لذلك نرى أن شكله ابتدأ يتغير عامة كان عليه إلى شكل وجه اللبناني وسحنته وذلك بعد أن يعيش المناخ اللبناني ويتطبع باطباع السكان الأصليين.
وللتشابه وتغير الشبه عناصر ثلاثة، هي المناخ والتربة والموقع الجغرافي. وهذه العناصر تشكل أساساً لشكل الإنسان وتكوينه الجسدي.