هل هناك فكر أو أدب لبناني ؟

الى اي حد يمكن القول ان هناك ادبا او فكرا لبنانيا ينطلق من الواقع اللبناني والمقومات اللبنانية في مستوياتها المختلفة، التاريخية والسياسية والحضارية واللغوية ؟ وهل يمكن طرح التساؤل ذاته فيما يختص بالادب السوري او المصري او العراقي ؟

الحقيقة ان الدعوة الى ادب او فكر لبناني، وبالاتجاه الذي يدعو اليه البعض يشكل قضية تناقضت حولها وجهات النظر وتعددت الاتجاهات واختلفت الاراء . ونحن هنا نحاول طرح هذا الموضوع من اجل استيضاح مختلف الاراء، آخذين بعين الاعتبار مختلف التوجيهات .

وقد بدانا مع المؤرخ المفكر الاستاذ جواد بولس ومع الشاعر سعيد عقل الذي يعتبر من اكثر الداعين الى “الادب اللبناني” الحاحاً. كما اننا سنتوجه في اعدادنا المقبلة الى سواهم ممن يمثلون اتجاهات مختلفة .

ابعاد جديدة للفكر اللبناني

بقلم جواد بولس

ان على المفكرين اللبنانيين ان يبحثوا عن ابعاد جديدة للفكر اللبناني. وهذه المهمة السامية هي احدى المناقب التي ميزت دوما العبقرية اللبنانية في الماضي القريب والبعيد. ففي العهود القديمة قام الكنعانيون اللبنانيون او الفينيقيون عبر توسيع نشاطهم البحري والتجاري في الالف الاول قبل الميلاد، في بلاد الاغريق وفي افريقيا وايطاليا واسبانيا وجنوب فرنسا، بنشر الابجدية وعلوم الشرق الادنى وفنونه. فجمعوا الشرق والغرب بشبكة من العلاقات التجارية والثقافية، وكانوا اول من انتشل اوروبا من الحياة البدائية.

ويقول ج. مازيل في كتابه ” مع الفينيقيين ” ( صفحة 304 و 305 ) ” ان الفكر الفينيقي المبني على الواقعية والعلاقات الانسانية الطيبة والتوسع السلمي بقي حبا حتى ايامنا هذه … ولقد حمل الفينيقيون الى العالم رسالتين رئيسيتين : فهم الذين اخترعوا هذا النوع من التفكير الذي نسميه، وفقا للاوساط والعصور، الواقعية او الوضعية او الحس التجريبي . وهذه الصفات، مع رمزها، الكتابة المبسطة ( الابجدية )، خلقت .. ذاك الذي نعتقد خطأ انه ” الفكر الغربي ” .. ولكن، الى جانب هذه الواقعية، ترك الفينيقيون للعالم رسالة اخرى هي تلك التي تعطي الاولوية للروحانيات .. التي تفسر حبهم العميق للسلام الذي كان يستحوذ على مشاعرهم “.

ان الغزوات والسيطرات الاجنبية التي تعاقبت منذ القرن الحادي عشر بعد الميلاد على الشرق العربي، قضت على الازدهار الاقتصادي، وعلى الثقافة والحضارة في هذا الشرق الذي كان، في عهد الخلفاء الاولين، مشغل الحضارة زهاء أربعة قرون أو خمسة، ونقل الى الغرب، عن طريق اسبانيا الاسلامية، بذور النهضة الثقافية. فمنذ القرن الثاني عشر اخذت تنتاب هذا الشرق اعراض الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي والفكري. وخلال هذا السقوط التدريجي نحو هاوية التدهور، ظل لبنان، الذي تجمع في جباله، ينعم بقسط من الازدهار والامن والحرية التي انعشت فيه الحياة الفكرية، فاسهمت المدارس والاديرة والكنائس والارساليات الاجنبية في تقدم الافكار.

وفي القرن التاسع عشر دفعت نتاجات المفكرين اللبنانيين ومؤلفاتهم كثيرين من الشبان الى الاقبال على حركة النهضة الفكرية التي كانت اساس النهضة الثقافية في الشرق العربي الحديث، ونقطة الانطلاق لفكرة القومية العربية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *